
2- أسباب العجز
يتساءل الباحث الفرنسي إيف لاكوست Yves Lacoste : لماذا فشل العسكر إذن في إنهاء ظاهرة العنف الإسلامي المسلح بعد أكثر من سبع سنوات من القتال ورغم أن الدولة الجزائرية امتلكت منذ الاستقلال جهازا أمنيا شديد الصلابة والفاعلية على رأسه ما يعرف بالأمن العسكري؟
توجد الإجابة في كثير من العوامل، سنحاول تقسيمها إلى نوعين: عوامل ذاتية وأخرى موضوعية.
أ- العوامل الذاتية
يمكننا حصر العوامل الذاتية في:
1- ثقافة الكفاح التي اكتسبها الجزائريون أثناء حرب التحرير الوطني (1954-1962) وتميزت بتمجيد البطولة وتثمين مفهوم الشهادة و”الصعود إلى الجبل” احتجاجا على جور المستعمر وظلمه. لجأ إسلاميو الإنقاذ إلى هذا المخزون الجماعي الحي في ذاكرة الجزائريين ليعيدوا إحياؤه لدى مجموعة من الناس مستخدمين خطابا تعبويا يطابق بين المستعمر بالأمس وقادة الجيش اليوم الذين يوصفون ب”حزب فرنسا”.
2- التأثير المباشر لما يشبه أممية إسلامية، وخاصة التأثير المعنوي الذي لعبه كل من انتصار الثورة الإيرانية ستة 1979 وإخراج المجاهدين الأفغان للمحتل الروسي من أرضهم..كل هذه العوامل أدت إلى إحداث شعور عام بقرب نهضة إسلامية كبرى تشمل العالم كله وتعيد مجد الإسلام والمسلمين، وبالتالي على الجزائريين أن يؤدوا دورهم في معركة الجهاد الكبرى هذه.
ب- العوامل الموضوعية
ترتبط العوامل الموضوعية بالعوامل الذاتية السابقة ارتباطا وثيقا. فبعضها في علاقة مع طبيعة النظام الجزائري المنقسم على نفسه بين أجنحة شديدة الصراع حول الاختيارات الكبرى. وبعضها الآخر متعلق بطبيعة أرض المعركة وتضاريسها الوعرة.
1- إن مساحة التراب الجزائري شديدة الاتساع فهي تبلغ تحديدا ( 2 376 400 كم2 ). ويتميز الشمال بجباله الكثيرة الوعرة التي تمتد من الحدود التونسية شرقا إلى الحدود المغربية غربا. أما الوسط فهو شبه جاف، في حين أن الجنوب صحراوي. لابد من الانتباه أن كل العمليات العسكرية التي حدثت وتحدث في الجزائر تمتد على امتداد سلسلة الجبال الشمالية ومن ثمة نفهم السهولة التي ينتقل بها المقاتلون من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق مرورا بالوسط دون أن يخرجوا من حماية هذه الجبال. لقد كانت نفس الإستراتيجية التي اتبعها جيش التحرير الوطني أثناء حرب التحرير ونجحت ضد الاحتلال الفرنسي. لنذكر أن فرنسا وظفت حوالي نصف مليون جندي وضابط بغاية القضاء على بضعة آلاف من المجاهدين مستخدمة كل ترسانتها من الأسلحة… ورغم ذلك عجزت في تحقيق أهدافها وإنهاء الثورة المسلحة، فما بالك بالجيش الوطني الشعبي الجزائري الذي لا يتعدى اليوم120 ألف مقاتل. فصعوبة ميدان المعركة جعل من إمكانية خروج ثوار على النظام وعلى الدولة مسألة ممكنة توفرها الأدغال والغابات والجبال .
2- وجد الجيش الجزائري صعوبة كبيرة، خاصة في بداية الأزمة، في التكيف مع حرب العصابات التي فرضت عليه. فهو جيش تقليدي بطبيعته يعتمد على العقيدة الروسية في القتال أي الهجوم الجبهوي المدرع بمساندة الطائرات, وحينما وجد نفسه أمام أسلوب قتال جديد استلزمه كثير من الوقت حتى يتكيف مع حرب العصابات الخاطفة. فأعاد تدريب قواته الخاصة على مثل هذه الحروب كما أعاد ترتيب قيادته الميدانية بإعطاء صلاحيات أكثر للضباط المشاركين في القتال دون الرجوع إلى قيادة الأركان المركزية في وزارة الدفاع. مما جعله يحقق بعض النجاحات الهامة ابتداء من سنة 1995.
مدونة رياض الصيداوي
http://rsidaoui.blogspot.com
المصدر: الحوار المتمدن