قال مدير “المركز العربي للدراسات السياسية والاجتماعية ” رياض الصيداوى، خبير تحليل الثورات (سوسيولوجيا الثورات)، المقيم فى جنيف بسويسرا، إن الثورات العربية لم تعد علبا سوداء مغلقة كما يقر علم اجتماع الثورات، لكنها أصبحت مرتعاً لتدخلات خارجية مفضوحة لخدمة المصالح الأمريكية، مشيرا إلى أن أمريكا عقدت تحالفاً مع الإخوان المسلمين وقطر لإيصالهم للحكم لمواجهة عدوها الحقيقى روسيا والصين والهند، مؤكدا أن تسريبات ويكيلكس كان هدفها حرق حلفائها القدامى والتحكم فى حلفائها الجدد. وأشار إلى أن الأزمة الاقتصادية التى تعانيها أمريكا الآن سبب جوهرى لمحاولتها إشعال الحروب والفوضى فى العالم العربى، وأن الجيش هو صمام الأمان لكل من مصر وتونس، كما أن الاستقرار مرتبط بنتائج الانتخابات المقبلة، وإلى نص الحوار:
■-;- بصفتك خبيراً فى سوسيولوجيا الثورات، ما طبيعة ثوراتنا العربية وهل هى ثورات حقيقية أم مجرد انتفاضات شعبية؟
– ثمة مزيج بين ديناميكية داخلية فى الثورات العربية وتدخل أمريكى وغربى سافر وواضح فيها. بمعنى أن الذين ثاروا فى تونس ومصر كانوا صادقين وعبروا عن قطيعة مع الماضى. فالثورات العربية هى حركات اجتماعية أساسا لكنها تعرضت فى نفس الوقت إلى تدخل أمريكى غربى فاضح وصل إلى حد التدخل العسكرى المباشر، كما هو الحال فى النموذج الليبى وتدخل غير مباشر فى سوريا عن طريق تمويل وتدريب المعارضة.
إن أى ثورة تحدث نتيجة عوامل مباشرة وعوامل غير مباشرة وكلاهما تحقق فى ثورتنا العربية إذن هى ثورات حقيقية وليست مجرد انتفاضات.
فالعوامل المباشرة أهمها الانفجار السكانى فى الوطن العربى وانهيار الطبقة المتوسطة وانهيار قدرتها الشرائية ووجود شباب محروم من أى فرص سياسية او اجتماعية او اقتصادية. هذه مجموعة عوامل غير مباشرة تراكمت وأدت إلى ما يسمى فى علم الاجتماع السياسى «الوضعية الثورية».
أما العوامل المباشرة للثورة فهى ثلاثة عوامل. أولها: راديكالية المعارضة الشعبية ومطالبتها برحيل النظام بدلاً من اصلاحه، ثانيا: تفكك النخب الحاكمة وانقسامها على نفسها، وثالثا: حياد الجيش أو خيانته للنظام.
هذه العوامل برزت فى تونس ومصر. حيث تأكد نفس السيناريو لأول مرة فى تاريخ البلدين: الجيش يتعاطف مع المتظاهرين ولا يطلق النار عليهم على عكس ليبيا انقسم الجيش وأصبح هناك جزء مع القذافى وآخر مع المعارضة، وكان من الممكن أن يتم وأد الثورة عسكرياً لولا تدخل حلف الأطلسى.
فالثورة لا تنجح ضد نظام الجيش فلابد من “حياد الجيش” أو “خيانته للنظام” حتى تنجح أى ثورة وهذا ما يفسر عدم نجاح الثورة فى سوريا حتى الآن فمازال الجيش متحداً ووفياً للنظام.
■-;- يرى الخبير الروسى نيكالاى ستاركوف أن تزامن الثورات فى الدول العربية ليس صدفة وإنما يثير الشك وظهور القناصة فى معظم الثورات العربية كان مخططاً له لتأجيج الوضع والمساعدة على انهيار الأنظمة، على اعتبار أن الدماء وقود للثورات ما رأيك؟
– أنا من أنصار أن ما حدث فى تونس ومصر به بصمات كبيرة للولايات المتحدة الأمريكية، بدليل أن ثورة البحرين السلمية تم إجهاضها عبر التدخل العسكرى، أمام نظر القواعد العسكرية الأمريكية فى البحرين وفي قطر وفي السعودية، فأمريكا تريد أن تسقط أنظمة وتحافظ على أخرى.
كما يوجد ثورة فى المنطقة الشرقية بالسعودية تتطالب بسقوط آل سعود لا يتحدث عنها الإعلام الغربى. ولماذا لم تتدخل أمريكا عندما قام أمير قطر بسجن الشاعر محمد بن الذيب العجمي لمجرد إلقائه قصيدة “كلنا تونس” والحكم عليه بالسجن المؤبد ثم 15 سنة سجنا بعد ضغط المثقفين والمبدعين التونسيين والعرب. أمريكا تحتل عمليا قطر عبر قاعدتي “العديد” و”السيلية” فلماذا لم تتدخل للإفراج عن شاعر يتم تدميره لمجرد أنه ألف قصيدة.
■-;- ما دلائل التدخل الأمريكى فى مسار الثورة فى كل من مصر وتونس وسوريا؟
– التدخل الخارجى فى تونس ومصر بدا أنه حدث من قبل الولايات المتحدة بشكل غير مرئى مع حدوث الثورة من خلال إقناع الجيش فى البلدين بالتزام الحياد. أما فى سوريا فرغم اصطدام أمريكا بالفيتو الروسى والصينى مرتين فى مجلس الأمن إلا أنها لجأت للدعم غير المباشر عن طريق تسليح المعارضة عبر وكلاء لها في المنطقة وهم قطر والسعودية وتركيا.
■-;- طرحك يؤكد أحد تصريحاتك أن الثورات العربية لم تعد علبة سوداء مغلقة كما يقر علم اجتماع الثورات إنما أصبحت مرتعا لتدخلات خارجية مفضوحة نريد توضيحا أكثر؟
– بدا واضحا أن أمريكا عقدت تحالفاً مع حركات الإخوان المسلمين وقطر لإيصال هذه الحركات للسلطة لمواجهة عدوها الحقيقى الصين وروسيا والهند.
■-;- ما هى دلائل هذا التحالف؟
-أولاً وثائق ويكيليكس التى أشارت إلى أن قادة حركة “النهضة” فى تونس بدأت تتعامل مع واشنطن منذ عام 2006 حيث عرض قادة الحركة التعاون مع الولايات المتحدة فى المنطقة. كما تقول الوثائق إن المدير السابق لقناة الجزيرة وضاح خنفر كان يلتقى كل صباح مع مسؤول المخابرات المركزية الأمريكية لأخذ التوجيهات والتعليمات منه. هذا يعنى أن قطر وضعت أموالها وإعلامها لخدمة المشروع الإخوانى الأمريكى بالإضافة الى التسجيلات السرية التى سربتها أجهزة مخابرات الرئيس الراحل معمر القذافى لقناة الرأى وصاحبها «مشعان الجبورى» وبها محادثة سرية بينه وبين رئيس جهاز المخابرات المصرى الراحل عمر سليمان يقول للقذافى بالحرف الواحد: «الأمريكان والإخوان المسلمين رتبوا اتصالات مع بعضهم لإخراجنا من الحكم وإيصالهم للسلطة»
■-;- البعض يشكك فى وثائق ويكيليكس، فهل يمكن اعتمادها كدليل؟
-الوثائق صحيحة، لكنها تسربت من أمريكا بتعمد لحرق حلفائها القدامى مثل «بن على»، و«مبارك» والتحكم فى حلفائها الجدد الإخوان المسلمين فأمريكا ترفع شعار: «ليس لدينا أصدقاء للأبد ولا أعداء للأبد إنما لدينا مصالح دائمة»
■-;- ما مصلحة واشنطن مع حركات الإخوان المسلمين لعمل كل ذلك؟
-أعتقد أن الإجابة تتلخص فيما يلى:
أولا الحركات الإخوانية اختارت اقتصاد السوق والرأسمالية المطلقة لذلك لا يوجد اختلاف عقائدى أيديولوجى بينها وبين واشنطن، وراشد الغنوشى فى تونس قالها صريحة: «نحن اخترنا اقتصاد السوق هذا خيار لا رجعة فيه»، نفس الشىء فى مصر وليبيا وسوريا.
ثانياً: الحركات الإخوانية اختارتها واشنطن لتندمج في المنظومة الامنية الأطلسية مثل تركيا وقطر، فأمريكا تحشد الإخوان لمواجهة العدو القادم وهو الصين وروسيا والهند.
■-;- هل هناك أسباب أخرى للتدخل الأمريكى فى الثورات العربية؟
يجب ألا ننسى أن أمريكا تمر بأزمة اقتصادية بنيوية هيكلية خانقة والرأسمالية حين تمر بمثل هذه الأزمات تتجة للحروب مثل أزمة عام 1929 التى أدت إلى الحرب العالمية الثانية، فالحروب هى الحل لأنها سوف تؤدى إلى تدمير البنى والمنشآت وبالتالى سوف تأتى بعقود جديدة للبلاد لإنعاش اقتصادياتهم المنهارة.
■-;- فى رأيك ما هى الأخطاء التى وقعت فيها ثوراتنا العربية، وهل يمكن تداركها أم أن الأوان قد فات؟
-الحركات الاجتماعية التى حدثت بالمنطقة العربية قام بها شباب “فيس بوك” و”تويتر” وهو شباب ميدانى يحمل تطلعات جيل كامل شعر بخيبة أمل من حكامه.
المشكلة أن هذا الشباب غير منظم وغير مهيكل وليس لديه أموال مثل الحركات الإخوانية القوية والمدعمة من أمريكا وقطر بالإضافة إلى أن الاحزاب اللبيرالية والتقدمية مشتتة، ولم تكن موحدة لمواجهة المشروع الإخوانى الأمريكى، لكن الصورة الآن بدأت تتحسن من خلال تكتل للأحزاب سواء فى مصر أو تونس من خلال جبهة الإنقاذ فى مصر، وفى تونس الجبهة الشعبية والتحالف من أجل تونس. هذه التكتلات لها فرص فى كسب الانتخابات المقبلة خاصة مع شعور الطبقات الاجتماعية المتعاطفة مع الحركات الإخوانية بخيبة أمل كبيرة بسبب فشلها الاقتصادى والاجتماعى.
فالثورة لم تحقق أهدافها، ويمكن تلخيص كل ما حدث فى رسم كاريكاتيرى يظهر فيه رجال أعمال النظامين القدماء فى مصر وتونس، أطلقوا لحاهم ليندمجوا فى منظومة الرأسمالية الإخوانية. فكل ما حدث مجرد تغيير فى الوجوه، ولم يحدث أى تغيير اجتماعى او اقتصادى. حقيقى فقد تم سرقة الثورة فى مصر وتونس.
■-;- أشرت فى أحد تصريحاتك إلى أن الدكتور سعد الدين إبراهيم أكد لإدارة بوش ولكوندوليزا رايس أنه لا يمكن دمقرطة منطقة الشرق الأوسط دون المرور عبر الحركات الإخوانية الإسلامية وهذا ما أشار إليه الرئيس أوباما فى خطابه أثناء الثورة المصرية قبل أن يسقط مبارك حيث قال: «من حق الإخوان أن يشاركوا فى اللعبة الديمقراطية» من وجهة نظرك هل كان محقا فى طرحه للأمريكان أم أنه قد جانبه الصواب فى ذلك؟
-لا أستطيع أن أقيم موقفه، لكنه بالفعل أول من طرح للأمريكان مشروع إشراك الإخوان المسلمين فى السلطة، من خلال حواراته مع كوندوليزا رايس لبناء الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة، لكن هذا المشروع لن يتحقق.
وإن كنت أعتقد أن الديمقراطية تتسع للجميع ما دام من يقبلها يحترم قواعد اللعبة فإذا فشل الإخوان فى الانتخابات ينسحبون من السلطة، ولكن كيف والحركات الإسلامية تعتقد أن الديمقراطية كفر، فكيف يمكن أن نشاركهم فى الحكم.
أجرت الحوار جيهان خليفة – المصري اليوم – القاهرة
Be the first to comment