من سينتصر في النهاية: قيم الثورة التونسية أم الوهابية القطرية السعودية ؟ الجزء الثاني بقلم رياض الصيداوي

من سينتصر في النهاية: قيم الثورة التونسية أم الوهابية القطرية السعودية ؟ الجزء الثاني
بقلم رياض الصيداوي

الهدنة المؤقتة

انخفضت حدة هذا الصراع مؤقتا بين السعودية وقطر على إثر زيارة حمد بن خليفة آل ثاني للرياض والتقائه وتصالحه مع وزير الدفاع الراحل سلطان بن عبد العزيز. فقامت “الجزيرة” بحذف أرشيفها الذي يهاجم العائلة السعودية الحاكمة وانتهت الحملات الإعلامية المتبادلة مع قناة “العربية” وفي الآن نفسه خف صراع الشيوخ والفقهاء الموالين للبلدين. لكن الهدنة انتهت مؤخرا وعاد الصراع الإعلامي الديني السياسي إلى أوجه.
نحن إذن إزاء صراع سياسي بحت قام بتعبئة موارد إعلامية ودينية كثيرة في سبيل كسب هذا الصراع.
إن الصراع بينهما سيتستمر في عمليات تمويل الحركات الإسلامية. فقطر تمول الأحزاب المنتمية لتيار “الإخوان المسلمين” أو القريب منه، والسعودية تمول الحركات السلفية والوهابية. وقد ازدادت حدة التنافس بينهما بعد سقوط نظام بن علي ومبارك.

قطر تمول “الإخوان” والسعودية تمول الوهابيين

وقد أوضح كريم سادر بأن هناك منافسة بين السعوديين والقطريين في ميدان تمويل الأحزاب السياسية التي عرفت نجاحا كبيرا في ظلّ “الرّبيع العربي”. وأشار إلى أن “بعض فصائل العائلة المالكة في السعودية التي تنبذ حركة الإخوان المسلمين المدعومة من قطر ـ تضُخّ بترودولاراتها في الأوساط الإسلامية الهامشية والطّبقات الشعبية في المناطق القروية النائية، التي تعتبر أكثر انصياعا، وهي ميدان السلفيين، لاسيما بهدف موازنة التأثير المتنامي لجماعة الإخوان المسلمين التي تُوصف بالمُعتدلة والمُتمدّنة”. Daou 2012) Marc (
وفي تقرير مُتزامن على القناة بالعربية تحت عنوان “كيف تتحكّم السعودية في التيار السلفي في العالم العربي؟”، أشار الكاتب سفيان فجري إلى أن السّلفية باتت اليوم “مُكوّنا في السياسة الخارجية السعودية” والتي تسعى الرياض من وراء نشرها إلى “مُجابهة تحديات كبرى” أولها ” تأجيل مطالب التغيير الديمقراطي في الداخل”، وثانيها “الاحتماء من إيران وتهديدات التّشيّع”، وثالثها ” بناء درع ديني في مواجهة حركة إسلامية زاحفة، هي ‘الإخوان المُسلمون”. (حبيب طرابلسي 2012)
تبدو المملكة العربية السعودية هي الممول والداعم الرئيسي لكل ما هو سلفي على النمط الوهابي، في حين اختارت قطر دعم حركات “الإخوان المسلمين” وما شابهها واقترب منها.

أهداف الإعلام القطري

تتنافس قطر مع السعودية في التأثير الديني في العالم وذلك عبر دعم “حركات الإخوان المسلمين” في العالم على حساب الحركات الأخرى.
لكنها على عكس السعودية فقطر تدعي “نشر قيم الديموقراطية والحرية في العالم العربي”.
يبدو المشهد سرياليا في كل مرة يدعو فيها أمير قطر إلى ضرورة نشر “قيم الديموقراطية والحرية” في العالم العربي. كما يؤكد باستمرار على أن تمويله لقناة “الجزيرة” يندرج في هذا الإطار. الإشكال أن تصنيف قطر مثلها مثل السعودية يأتي في المراتب الأخيرة من حيث الديموقراطية عربيا. فحرية التعبير منعدمة حيث لا توجد أية وسائل إعلامية يمكنها نقد سياسة الأمير وتكون مستقلة ماليا أو تحريريا. ثم تنعدم في قطر أية مظاهر انتخابية لا تشريعية ولا بلدية ولا نقابية… ووصل الأمر بأمير قطر إلى الحكم بالسجن المؤبد على الشاعر محمد بن الذيب العجمي ثم خفف الحكم إلى 15 سنة لمجرد أنه ألف قصيدة “كلنا تونس” التي ينوه فيها بالثورة التونسية ويسخر فيها من أمير قطر وحكام الخليج.
السعودية مثلا مهتمة بإبراز نفسها كدولة مدافعة ومتبنية للشريعة الإسلامية وتطبيقها بصرامة لكنها لم تجرؤ على الادعاء بأنها “تنشر قيم الحرية والديموقراطية” مثلما تفعل قطر.

قطر “مهمومة” بنشر الحرية والديموقراطية

أما قطر فتبدو “مهمومة” فعلا بنشر “قيم الحرية والديموقراطية”. فهي تشرف على مؤتمرات الديموقراطية وتدعو لها الأساتذة والمفكرين. فعلى سبيل المثال في “مؤتمر قطر الثالث للديموقراطية والتجارة الحرة” الذي انعقد في 14 أفريل 2003 استهل الأمير القطري حمد بن خليفة آل ثاني خطابه بالتالي:
“إن انعقاد هذا المؤتمر، في ظل هذه الظروف العصيبة التي تمر بها منطقتنا هو دليل واضح على الأهمية التي نعلقها على المسائل الحيوية التي سيتم بحثها في جلساته. فنحن نعتبر أن الديموقراطية والمشاركة الشعبية المسؤولة في اتخاذ القرار وإدارة شؤون الدولة شرط أساسي لا بد منه لتطوير بلادنا ومجتمعاتنا وإرساء دور المؤسسات الدستورية والسياسية والقانونية اللازمة لبناء الدولة المؤهلة لمواجهة متطلبات العصر، وتحديات المستقبل. ونحن نؤمن في الوقت نفسه بأن الانفتاح الاقتصادي وتشجيع القطاع الخاص والاستثمارات … فالديموقراطية السياسية والديموقراطية الاقتصادية والاجتماعية هما، في نظرنا، توأمان لا ينفصلان، بل إنهما الوسيلة التي لا غنى عنها للمضي قدما في مسيرة التطور والازدهار التي ننشدها ونعمل من أجلها”.
ثمة خلل أخلاقي فادح في مثل هذا الخطاب. كيف لدكتاتورية مطلقة أن تنشر قيما تحرم شعبها منها كلية؟ روبار مينار، الرئيس السابق لمنظمة “مراسلون لا حدود” كشف في كتابه “سراب وشيوخ بياض: تحقيق حول الوجه الخفي لقطر، الخزنة الآمنة لفرنسا”
Mirages et cheikhs en blanc : Enquête sur la face cachée du Qatar, le coffre-fort de la France”
عن غياب كلي لمظاهر حرية التعبير والديموقراطية في إمارة قطر. وأعطى أمثلة كثيرة من خلال تجربته في العمل في هذه الإمارة عن مدى التناقض الصارخ بين ما تعلنه قطر من أنها تتبنى “قيم الديموقراطية” وأنها تعمل على نشرها وواقعها المنغلق كلية تجاه هذه القيم حيث أنها تعتمد كافة آليات الدكتاتورية التي تعتمدها جاراتها العربية من السعودية وغيرها. Robert Ménard, et Thierry Steiner 2010) )

الفرق بين السعودية وقطر

هذا ما يميز سياسة قطر الإعلامية عن سياسة السعودية هو “الادعاء بنشر قيم الحرية والديموقراطية” في حين أنهما يشتركان عمليا في خصائص عديدة منها “الانغلاق السياسي المطلق” حيث تنعدم مظاهر حرية التعبير والتنظيم على كافة المستويات تقريبا. وفي الآن نفسه يقومان بمحاولة السيطرة على الفضاءات الإعلامية العربية مع تركيز كبير على “نشر الخطاب الديني” عبر توظيف “مشايخ دين” في صراعاتهما السياسية الصرفة من جهة وفي استهداف الأنظمة الحداثية في العالم العربي من جهة أخرى. لكن مع اندلاع ثورات “الربيع العربي” وبخاصة في تونس ومصر وليبيا برز إعلام قوي بدأ يشد اهتمام جمهور هذه البلدان. حيث نشأت فضائيات وصحف عديدة لا تمتلك إمكانيات الريع النفطي السعودية أو القطرية لكنها نجحت في فتح مجال حرية تعبير ذو سقف عال جدا مما جعل إعلام قطر والسعودية يضعف تأثيره بشكل ملحوظ. ففي تونس ومصر مثلا انهار عدد المشاهدين لقناة الجزيرة لصالح التلفزيونات المحلية.

تراجع كبير لقناة الجزيرة

“فقد كشفت دراسات إحصائية متخصصة عن تراجع كبير في نسب مشاهدة قناة الجزيرة القطرية وتراجع عدد المشاهدين من 43 مليون مشاهد في اليوم إلى 6 ملايين فقط.
وحسب مؤسسة أمريكية مختصة في قياس المشاهدين، عهدت إليها قناة الجزيرة إجراء مسح حول عدد مشاهديها في العالم، كشف المسح تراجع مشاهدي القناة بنسبة كبيرة من 43 مليون مشاهد كمعدل يومي إلى نحو 6 ملايين في الشهور الأخيرة.
وفسر التقرير الذي نشره موقع Lacom.com هذا التراجع إلى عاملين: الأول يتمثل في اتساع هامش الحرية في دول “ثورات” الربيع العربي، التي أصبح لمواطنيها قنواتهم الخاصة التي تتوفر على هامش من الحرية أكثر من الهامش الذي تسمح به القناة القطرية والعامل الثاني، يعود إلى طريقة تغطية القناة القطرية للـ “الثورة السورية”، حيث لم تنجح القناة في الفصل بين الأجندة السياسية للدولة القطرية والخط التحريري للقناة التي تعتبر نفسها مستقلة” (تونسنا 2013).

بروز الإعلام الجديد

وفي السنوات الأخيرة أيضا رصدنا بروز الإعلام الأجنبي الناطق بالعربية ومنافسته الشديدة للاحتكار السعودي القطري وبخاصة قنوات “فرانس 24 ” “والبي بي سي” و”روسيا اليوم” وأيضا قنوات شيعية أو مقربة من إيران كقناة “العالم” أو “الميادين”…
على المستوى الإعلام السياسي يبدو أن الإمبراطوريتان الإعلاميتان القطرية والسعودية في حالة تقهقر شديد… لكن على المستوى الديني مازال تأثيرهما كبيرا وبخاصة في الأوساط الشعبية ضعيفة التعليم…
صراعهما الإعلامي العنيف من الممكن أيضا أن يخمد فجأة عبر صلح بين القيادتين على الطريقة القبيلة القديمة مثلما حدث بين الراحل سلطان بن عبد العزيز والأمير حمد بن خليفة آل ثاني وأسفر عن هدنة دامت لسنوات… لكن الجذور الحقيقية للصراع ستستمر. قطر لن تمارس نفوذا دوليا دون تحالفها مع “الإخوان المسلمين”. والسعودية خائفة من حراك شعبي قوي فيها تلعب فيها قيادات إخوانية دورا كبيرا وعلى رأسها حزب الأمة الإسلامي.
يتبع
في الجزء الثالث والأخير سيتم تناول مسألة تنافس قطر والسعودية على تونس ومحاولتهما ضرب ثورتها عبر المال والشيوخ والإعلام … لكن تصدي النخب المثقفة لهم كان حاسما في هزيمتيهما الفكرية والسياسية والفقهية…

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*