من سينتصر في النهاية: قيم الثورة التونسية أم الوهابية القطرية السعودية ؟ الجزء الثالث والأخير. بقلم رياض الصيداوي
شعار “الثورة التونسية” المتمثل في “شغل / حرية / كرامة وطنية” أرعب كل من قطر والسعودية معا. فكان يجب وئد الثورة الثقافية التونسية في المهد عبر تدفق أموال طائلة وشراء ولاءات قيادات سياسية وثقافية ودينية تدافع عن تجربة آل ثاني وآل سعود في الحكم بدل الدفاع عن قيم “الثورة التونسية” النبيلة والإنسانية. لم تتدفق الأموال لبناء المصانع والجامعات والمؤسسات الإنتاجية وإنما تدفقت لتخريب الثقافة والحياة السياسية وحتى المذهب السني المالكي المعتدل في تونس.
قطر مستعمرة أمريكية
خوف قطر كان بسبب شعار “الكرامة الوطنية” أي التحرر من التبعية والاستعمار. فهي مستعمرة أمريكية بأتم معنى الكلمة، فاقدة تقريبا لسيادتها عبر تواجد أكبر قواعد عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط على أراضيها. لذلك قامت فورا باعتقال شاعر الربيع العربي الحقيقي محمد بن الذيب العجمي والحكم عليه بالسجن المؤبد ثم 15 عاما بعد ضغط المنظمات الحقوقية الدولية. السبب قصيدته “الياسمين: كلنا تونس” وبخاصة بيت شعري قال فيه “وآه عقبال البلد التي جاهل حاكمها ويحسب أن العز بالقوات الأمريكية”. هي دعوة للتحرر الوطني من الاستعمار أطلقها شاعر شجاع في “إمارة الصمت” حيث يشتري حاكمها كل شيئ: من رجال السياسة إلى كهنة الدين إلى رجال الإعلام… حتى الديمقراطية تعتبر “سلعة” عنده يمكن شرائها ويخصص لها المؤتمرات والندوات في أفخم الفنادق في الدوحة.
الاختراق القطري لنخب سياسية وثقافية تونسية أصبح واضح العيان إلى حد أن كل من ينتقد دكتاتور الدوحة ودوره التخريبي في الوطن العربي لفائدة واشنطن وتل أبيب تشن عليه حملة من التجريح والشتائم في وسائل الاتصال الاجتماعي بخاصة ومن قبل معلقين محترفين في الدفاع عن “النموذج القطري في الحرية والديمقراطية والوطنية” بعامة.
المرزوقي يهددنا بسبب قطر
وصل الأمر بالرئيس المنصف المرزوقي إلى تهديد كل من يتطاول على قطر بالعقوبات القانونية و”تأنيب الضمير”. الرئيس المرزوقي قدم مشهدا سرياليا عبثيا وهو يستبسل في الدفاع عن دكتاتورية استبدادية مطلقة. شخصيا أنام هانئا سعيدا مرتاح الضمير كلما ساهمت في كشف ما فعلته هذه الدكتاتورية في شعبها أولا وفي الخراب الذي مولته في الوطن العربي ثانيا. فهل سيادة الرئيس ينام مرتاح الضمير وهو يستبسل في الدفاع عن حكم آل ثاني؟ في الدفاع عن “العديد” وعن “السيلية” التي تنطلق منها الطائرات والصواريخ لقصف بغداد وطرابلس وكابول؟ وعن “اضطهاد محمد بن الذيب العجمي” وعن احتجاز الإعلامي التونسي محمود بوناب؟ …
فخامة الرئيس: قاومت الدكتاتور زين العابدين بن علي لكنك ارتميت في أحضان دكتاتورية أبشع قادمة من العصر الحجري تمنع عن شعبها رؤية صناديق الانتخابات إلا في التلفزيون. أفلا يؤنبك ضميرك الحقوقي؟
الفيلسوف القطري
أبو يعرب المرزوقي كان من الممكن أن يكون فيلسوفا وكفى. لكنه اختار أيضا أن يكون ضمن “النموذج القطري” المضاد للقيم التونسية. كان تجمعيا ثم أصبح قوميا عربيا ثم أصبح نهضاويا ثم هاجم النهضة لأنها لم تمكنه من المنصب الذي يريد ثم الآن أصبح قطريا مرابطا في الدوحة لنشر قيم “آل ثاني” في الحرية وفي الديموقراطية. نشر مقالات صحفية يقول في أحد مقالاته : “أخجل ممن يعتبر جهاد الشباب التونسي في سوريا جرما…”. لماذا يدافع “فيلسوف” تونسي على سياسة آل ثاني في تخريب سوريا؟ فقط نقول آل ثاني ليست لهم سياسة في المنطقة: هم فقط منفذو أوامر وممولي حروب الدول الكبرى عبر فائض الريع النفطي والغازي الذي يمتلكونه.
الشيخ راشد الغنوشي، سامحه الله، يقول أن دكتاتور قطر حمد هو راعي الثورات العربية. فاقد الشيء لا يعطيه. لتحرر قطر نفسها أولا من العصر الحجري الذي تعيشه…
أبو يعرب المرزوقي يدرك ذلك. مثله مثل الرئيس المنصف المرزوقي والشيخ راشد الغنوشي يعرفون من هي قطر وما هو دورها في المأساة العربية القائمة اليوم ولصالح من تعمل.
فصل المقال
دعاني الصديق سفيان بن فرحات في شهر جويلية 2012 في برنامجه “فصل المقال” الذي تبثه قناة “التونسية” ولم أعد تقريبا شيئا للبرنامج كانت صرخة عفوية مني حينما قلت : أن “لا للكذب المقدس/ لا للخداع المقدس”. “الجزيرة قناة دكتاتورية يمتلكها دكتاتور”.”لا يمكن أن نأخذ إسلامنا من المستعمرات البريطانية”. “ليجاهد يوسف القرضاوي في قطر أولا لتحريرها من القواعد العسكرية الأجنبية”. “يا فقراء لا تخافوا من عذاب القبر فقد خصصه الله للملوك والأمراء وشيوخهم المنافقين”. “كيف ندعو آل سعود وآل ثاني والأنجليز والفرنسيس والأمريكيين لمؤتمر أصدقاء سوريا لنشر ماذا؟ الحرية والديموقراطية؟؟؟”…
فوجئت بمدى نجاح البرنامج وانتشاره شعبيا. حتى أنني لا أمشي خطوات في شارع الحبيب بورقيبة أو غيره إلا وأجد من يستوقفني ويشكرني على ما اعتبرته صرخة في بحر من النفاق والخداع الذي أصبح فيه دكتاتورا مستبدا يروج في الحرية وفي الديموقراطية … ملخص ملاحظات الناس الطيبين الذين حادثوني هو : “أنت لم تكشف لنا شيئا جديدا وإنما قلت ما نعتقده فعلا.. فقط شكرا على شجاعتك أو بالأحرى عدم شرائك من إمبراطورية المال والغاز القطرية”… الشعب التونسي ليس مغفلا. هو باعتراف الجميع من أكثر الشعوب العربية تعليما وثقافة. وربما العلة في بعض نخبه التي لم تصمد أمام الإغراءات النفطية والغازية الخارجية فهوت بسرعة. ولو أنفقوا مال العالم كله فإن حاكم قطر يبقى كما هو دكتاتورا مستبدا.
شكري بلعيد ومحمد البراهمي
لقد شارك مثقفون كثيرون أيضا لم يتلوثوا بالغاز القطري في حملة كشف الحقائق في تونس وفي الوطن العربي. أذكر الراحل الشهيد شكري بلعيد وكلماته المدوية في “فضح” المشروع القطري في تونس لصالح قوى الاستعمار الكبرى… وربما كانت أحد أهم أسباب التخلص منه واغتياله هو موقفه الصدامي هذا. وكذلك الراحل الشهيد محمد البراهمي الذي كشف بشجاعة الدور القطري التخريبي في تونس وفي سوريا وفي ليبيا …
ومثقفون آخرون … وأذكر بخاصة حملة شباب الفايسبوك الذي تحدى الرئيس المنصف المرزوقي في تهديده للشعب التونسي بعدم التطاول على قطر… وأنشأ صفحات لاقت نجاحا كبيرا واستخدمت روح النكتة التونسية بكثافة للسخرية من مشهد سريالي عبثي يريد أن يفرض نفسه بسطوة المال…
الورقة الدينية
فشل “النموذج القطري في الحرية والديمقراطية” أن يقنع الشعب التونسي سياسيا، فحاول استخدام ورقة الدين. وهنا أيضا حاولت الوهابية السعودية استخدام هذه الورقة لاختراق المجتمع التونسي. ولئن كانت قطر تعيش شيزوفرينيا سياسية، يعني ازدواجية الشخصية، فهي دكتاتورية مطلقة تعتبر نفسها صاحبة رسالة في نشر الديموقراطية في الوطن العربي، فإن السعودية كانت أكثر تواضعا حيث تعتبر نفسها فقط دولة تطبق الشريعة الإسلامية وتسعى لنشر الوهابية على طريقتها. يعني بالنسبة إليها الديمقراطية كفر وبدعة، فركزت كل جهودها على الجانب الديني.
منذ سقوط زين العابدين بن علي في 14 جانفي 2011 تعرضت تونس لهجمة من شيوخ قطر والسعودية للتشكيك في إسلام الشعب التونسي السني المالكي المعتدل ولنشر المنظومة الوهابية. لم يكن شيوخ الملوك والأمراء متسلحين بالعلم وبالمعرفة لكن كانوا مسلحين جيدا بالمال الوفير.
جاءنا يوسف القرضاوي ووجدي غنيم من قطر “لفتح تونس”. وهما عضوين في تنظيم “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” الذي أنشأه أمير قطر وينفق عليه بسخاء…
وجاءنا شيوخ الوهابية السعودية ليروجوا لضرورة تهديم الزوايا الصوفية وعدم الاحتفال بالمولد الشريف ومنهم الشيخ العريفي صاحب نظرية “ملائكة بيض على جياد بيض تقاتل في حمص ضد الجيش العربي السوري” لكنها لا تقاتل أبدا ضد إسرائيل أو ضد أمريكا في أفغانستان أو في العراق… فالملائكة الخضراء الوهابية كانت مختصة في محاربة الاتحاد السوفياتي واليوم أصبحت بيضاء متخصصة في محاربة الجيش السوري أما بقية المعارك فلا تهمها لا فلسطين ولا غيرها من الأراضي العربية…
وكذلك الشيخ عائض القرني الذي سرق كتاب “لا تحزن” من كاتبة سعودية قدمت به قضية وربحتها دخل تونس واستقبله أنصاره استقبال الفاتحين…
وكذلك الشيخ حسان بسيارته الفاخرة جدا جاء لينشر الإسلام في تونس… ما يجمع بين هؤلاء الشيوخ هو ثرواتهم الضخمة التي تحدثت عنها مجلة فوربيس الأمريكية. والتي أخذوها بكرم حاتمي من حكام قطر والسعودية…
كيفية التصدي للوهابية
وكان لا بد من التصدي لهم وكشف أمرهم للشعب التونسي العربي المسلم الطيب. من جانبي اقترحت في بعض الفضائيات على أتباع هؤلاء الشيوخ أن يسألوهم هذه الأسئلة ويستمعوا لإجابتهم حتى يحكموا بأنفسهم عليهم:
أولا : ما حكم الإسلام في تواجد القواعد العسكرية الأجنبية التي تنطلق منها الطائرات لقصف ديار المسلمين مثل قاعدة العديد والسيلية بقطر؟
ثانيا : ما حكم الإسلام في الحاكم الذي يضع آلاف مليارات الدولارات في بنوك أمريكا ويشتري الكازينوهات والفرق الرياضية الأوروبية ويترك أخوته العرب والمسلمين يعانون الحرمان والخصاصة؟
ثالثا : ما حكم الإسلام في من يمول حروب أمريكا في قصف العواصم العربية والإسلامية من بغداد إلى طرابلس إلى كابول …؟
رابعا: هل تعرفون شخصيات مجاهدة في قطر وفي السعودية مثل محمد الدغباجي وبشير بن سديرة وخليفة بن عسكر ومصباح الجربوع في تونس أو عمر المختار في ليبيا وبوعمامة ومقراني في الجزائر وعبد الكريم الخطابي في المغرب؟
وأخيرا وليس آخرا: هل تعرفون من أسس قطر والسعودية وكيف؟ هل اطلعتم على أرشيف وزارة المستعمرات الشرقية البريطانية؟
ونشرت عبر الفايسبوك موقفا لقي رواجا كبيرا جدا قلت فيه: “الحقيقة المرة: المخابرات القطرية أنشأت تنظيما أسمته “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” ضخت فيه أموال طائلة ووضعت القرضاوي على رأسه كما اشترت الكثير من الشيوخ وضمتهم إليه. وفي المقابل المخابرات السعودية سبق وأن أنشأت تنظيما سمته “الرابطة الإسلامية العالمية” واشترت له شيوخا وعينتهم فيه بأموال طائلة. والتنظيمان متصارعان ومتقاتلان كل لمن يدفع له. لا أحد منا انتخب شيخا أو اختاره أو أوصى به. هم صنيعة الأجهزة من أجل شراء المواقف السياسية وتخدير الشعوب حتى لا تسأل أين تذهب أموال النفط والغاز؟ كيف خسر الملوك والأمراء أكثر من 1000 مليار دولار في بورصة وول ستريت؟”
وبرزت نخبا دينية وسياسية وطنية تونسية لم يكن يعرفها الإعلام بسبب دكتاتورية بن علي. عرفنا الشيخ الفريد الباجي والمفكر مازن الشريف وغيرهم كثيرون. لا يمتلكون مالا. وأنا أعرف شخصيا ظروفهم الاجتماعية الصعبة، لكنهم تصدوا لشيوخ البترول والقواعد العسكرية الأجنبية وأحيوا التدين التونسي النقي الموروث عن المجاهدين الأبرار… وكذلك دافعوا على الزوايا الصوفية التي حاربت الاستعمار في مواجهة الوهابية التي صنعها الاستعمار… نحن فقراء المال ولكن أغنياء النفس والفكر والحمد لله. فتحية لكل من لم يتلوث بالغاز والنفط القطري السعودي…
قم بكتابة اول تعليق