هدوء في ليبيا يسبق العاصفة، فهل استعدت تونس؟ بقلم رياض الصيداوي

هدوء في ليبيا يسبق العاصفة، فهل استعدت تونس؟ بقلم رياض الصيداوي

مؤشرات كثيرة تنبئ باقتراب عاصفة مدوية في ليبيا. فالوضع فيها لم يعد يحتمل لا لليبيين ولا لجيرانهم من مصر إلى تونس إلى الجزائر ولا حتى للحلف الأطلسي الذي أسقط نظام معمر القذافي وتعامل مع الجهاديين في معركة «عدو عدوي صديقي».

مرشح الرئاسة المصري عبد الفتاح السيسي هدد بتدخل عسكري شرق ليبيا لضرب معسكرات تدريب الإخوان والجماعات الإسلامية فيما أصبح يسمى «بالجيش المصري الحر».

وأحد أبرز قيادي تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي المدعو مختار بالمختار، الشهير «بالأعور» انتقل إلى شرق ليبيا وتحديدا إلى «درنة» حيث تزدهر الجماعات الإسلامية المقاتلة وتعمل بكل حرية في غياب كلي لأجهزة الدولة الليبية الضعيفة.

والأوساط الغربية الإعلامية بدأت تعرب عن خشيتها من تحول ليبيا إلى «أفغانستان» جديدة ينطلق منها الإرهاب ليضرب غربا وشرقا دون تمييز.

والمقاتلون الجهاديون التونسيون في سوريا بدؤوا في العودة، بعضهم إلى تونس وبعضهم الآخر يستقر في ليبيا.
للتذكير أول من استخدم السلاح والقتل والذبح في الجزائر كان «الجزائريون الأفغان». ذلك الشباب الذي قاتل في أفغانستان في حرب دولية بين القوى العظمى وعاد إلى بلده فوجد أزمة سياسية وسلاحًا فلم يبق طويلا عاطلا عن العمل.

مقال صحيفة «الخبر» الجزائرية الصادم

صحيفة «الخبر» الجزائرية التي لديها مصادر وثيقة لدى جهاز المخابرات العسكرية الذي يقوده اللواء محمد مدين أوردت مقالا خطيرا في عددها الصادر يوم 10 ماي الماضي دقت فيه ناقوس الخطر وحذرت من قرب عاصفة في ليبيا ستؤثر على كل المنطقة وخاصة تونس.
الصحيفة أعلنت عن قرب «حرب وشيكة في ليبيا تمتد إلى تونس وتدهور الأوضاع في شمال مالي». وربطت بين أحداث مالي وما يجري في ليبيا اليوم.

وقد جاء في الصحيفة التي يقرب توزيعها من نصف مليون نسخة يوميا ما يلي «يؤشر وصف الرئيس بوتفليقة عملية تمنراست بأنها إحباط لهجوم خارجي، ودعوته المواطنين إلى مساندة الجيش الوطني الشعبي، وتزامن ذلك مع ما أعلن عنه وزير دفاع فرنسا عن نشر 3 آلاف جندي في منطقة الساحل، وكذا السعي الأمريكي إلى التدخل ضد السلفيين الجهاديين في ليبيا، ثم مقتل مسؤول المخابرات في ليبيا، أن منطقة الساحل وليبيا وتونس مقبلة على وضع مضطرب قد يفوق في نتائجه الفوضى التي أعقبت الحرب الأهلية في ليبيا وحرب شمال مالي في عامي 2011 و2012.

كما ذكرت «الخبر»أن «مصالح الأمن حذرت كبار المسؤولين في الدولة من تدهور خطير للأوضاع في شمال مالي، بعد أن خفضت قيادة العملية العسكرية الفرنسية «سرفال» قوات التدخل الضاربة في شمال مالي منذ أشهر، وحذرت في الوقت نفسه من حرب وشيكة في ليبيا يطول أمدها وتمتد إلى تونس المجاورة، وقد تنتهي بسيطرة السلفيين الجهاديين على ليبيا. وتشير المعلومات المتوفرة إلى أن عدة عواصم كبرى في العالم تلقت التحذير نفسه حول الوضع المضطرب في ليبيا، والذي يهدد استقرار شمال إفريقيا بالكامل. وقال مصدر عليم إن الهدوء الحالي الذي تشهده الحدود الشرقية مع تونس ومع ليبيا والحدود الجنوبية مع ليبيا، قد ينتهي في أية لحظة مع التسخين المتواصل الذي تشهده الساحة الليبية، خاصة بعد مقتل رئيس جهاز المخابرات الليبي، العقيد إبراهيم السنوسي، في بنغازي شرقي ليبيا.
وأضاف نفس المصدر أن اغتيال العقيد السنوسي لم يأت من فراغ، بل جاء على خلفية تداول الجماعات السلفية الجهادية في ليبيا معلومات تفيد بأن الأمريكيين يحضرون لتوجيه ضربات حاسمة لمعسكرات الجماعات السلفية الجهادية بالتنسيق مع بعض الأطراف في ليبيا. وقالت مصادرنا إن مصالح الأمن الجزائرية رصدت مؤشرات خطيرة لتدهور الأوضاع في بعض المناطق الداخلية في ليبيا، وأن هذه الأخيرة تقترب بشكل مضطرد من الدخول في دوامة حرب أهلية جديدة.»

الحديث عن التهديد المباشر لتونس

الخطير في مقال «الخبر» هو الحديث عن التهديد المباشر لتونس من الوضع الليبي والخشية من انتقال الاضطرابات إليها. تقول الصحيفة : «ولا تثير هذه الأوضاع في ليبيا، رغم خطورتها، مخاوف كبيرة لدى مصالح الأمن في الجزائر وأجهزة الأمن في دول غربية معنية باستقرار المنطقة، لكن ما يخيف في الموضوع، كما يتحدث خبراء في شؤون الأمن والدفاع تحدثنا إليهم، هو امتداد الفوضى في ليبيا إلى الجارة الرخوة تونس، بعد تداول معلومات حول عودة مئات الجهاديين التونسيين من سوريا، وهو ما قد يهدد بفوضى عارمة في المنطقة تمتد إلى الساحل، وستضطر قيادة الجيش الوطني الشعبي، في حالة وقوع فوضى في الجارة تونس، إلى زيادة تعداد قواتها إلى مستوى قياسي غير مسبوق لضبط الأمن في الحدود المضطربة، كما ستعمد لرفع ميزانية الدفاع والأمن إلى مستوى قياسي جديد».

وأشار مصدرنا إلى أن بعض الدول مازالت ترى أن تدخل الجيش الجزائري لضبط الأوضاع في ليبيا أكثر من ضروري، إلا أن قيادة الجيش والقيادة السياسية ترفض أن يمارس الجيش أي عمليات خارج الحدود الجزائرية. وقال مصدر عليم للغاية إن الرئيس بوتفليقة أراد، من خلال الكلمة المقتضبة حول تعرض الحدود لاعتداء، تمرير رسالة هدفها تحضير الرأي العام الجزائري لأية احتمالات مع تدهور الأوضاع في ليبيا وشمال مالي..»

إمكانية استهداف تونس من تنظيم القاعدة

وأشار المقال في النهاية إلى إمكانية استهداف تونس من تنظيم القاعدة انطلاقا من ليبيا : «تحضير الأمريكيين حسب مواقع إخبارية لتوجيه ضربات جوية للجماعات السلفية الجهادية في ليبيا لمنعها من استثمار حالة الفوضى في هذا البلد المضطرب، ومقتل رئيس المخابرات الليبية، وقبلها الأخبار غير المؤكدة التي تحدثت عن انتقال مختار بالمختار مع جماعته إلى ليبيا وإعلانه الولاء للظواهري، فإن كل هذه المعطيات لا يمكن أن يقع تزامنها بمحض الصدفة، بل تؤشر على تلقي الجزائر ودول غربية تقارير أمن سرية للغاية، تحذر من انتقال الفوضى من ليبيا إلى تونس ومن عودة الجماعات السلفية الجهادية المتشددة للنشاط في شمال مالي، ولهذا فإن الجيش الوطني الشعبي قد يواجه مع مصالح الأمن تحديات غير مسبوقة».

مناقشة المقال

يبدو واضحا أن مقال جريدة «الخبر» المعتمد على تقارير استخباراتية جزائرية يؤكد على اقتراب موعد العاصفة بالنسبة إلى ليبيا ويعرب عن خشيته من انتقال الفوضى الإرهابية إلى تونس. بالنسبة إلى الشق المتعلق بليبيا يبدو شبه متأكد اليوم أن ضربات عسكرية أطلسية قوية ستحدث قريبا وخاصة في منطقة الشرق وتحديدا «درنة» التي أصبحت «تورا بورا» جديدة في المنطقة. لكن هل ينتقل الإرهاب على نطاق واسع في تونس كما تخشى الأجهزة الأمنية الجزائرية والغربية؟

اعتقد أن ثمة مبالغة كبيرة جدا في هذا الجانب لأسباب موضوعية عديدة.
أول الأسباب المطمئنة أن أجهزة الأمن التونسية استرجعت أنفاسها واستعادت قوتها وبدأت تركز جهودها في محاربة الإرهاب وحققت وتحقق في ذلك نجاحات كبيرة بعضها ظاهر للعلن وبعضها الآخر خفي لا يمكن الإعلان عنه.

وثاني الأسباب أن الجيش الوطني اكتسب تجربة الآن في جبل الشعانبي وتكيف مع حرب العصابات وهو يقوم بالمبادرة بالهجوم المستمر على أوكار الإرهابيين.

وثالث الأسباب أن أية عمليات إرهابية في تونس ستكون محدودة جدا في العدد وفي الزمن. فتشكل أية جماعات أو خلايا لن يستمر طويلا لغياب تضاريس وعرة ممكن أن تحميها. على عكس تضاريس الجزائر الوعرة مثلا والتي استفاد منها الإرهاب طيلة العشرية السوداء في التسعينات.

ورابع الأسباب أن الشعب التونسي ملتحم بقوى الأمن والجيش ولن يوفر أي غطاء أو حماية للعناصر الإرهابية التي يسهل القضاء عليها حينما تعزل شعبيا. لقد كانت مشاركة المواطنين بالتصفيق والتشجيع لفرقة مكافحة الإرهاب أثناء عملية «الوردية» رسالة واضحة جدا لا لبس فيها أن الشعب سيحارب الإرهاب ويحاصره ويعزله.

وخامس الأسباب أن الأزمة السياسية الحادة التي قسمت الأحزاب التونسية حكومة ومعارضة قد تم تجاوزها بفضل الحوار الوطني والوفاق الذي حدث. فالإرهاب لا يزدهر إلا أثناء الأزمات السياسية العنيفة. ويجب الإقرار أن الجناح العقلاني لحركة النهضة الذي يقوده الشيخ راشد الغنوشي لعب دورا إيجابيا مهمّا مع غيره من الأحزاب في نزع فتيل الأزمة.
هذه أهم الأسباب المطمئنة والتي تمنع وقوع سيناريو سوداوي في تونس…

وجود أسباب أخرى مقلقة

لكن هذا لا يخفي عدم وجود أسباب أخرى مقلقة يجب معالجتها بأسرع وقت ممكن. ولعل أهمها على الإطلاق هو عودة الشباب التونسي الذي «جاهد في سبيل إسرائيل وأمريكا وقطر والسعودية وتركيا…» في سوريا. هذا الشباب الذي تم استغلال ثغرات نفسية في حياته ليرسل إلى حرب لا ناقة له فيها ولا جمل هو اليوم يعود إلى تونس وقد فقد الثقافة السلمية التي تميز الشعب التونسي لقد تعود على مشاهد الدم من قتل وذبح وتفجير…. يجب الدخول فورا في حوار سياسي عميق معه لإفهامه أنه ذهب ضحية لعبة أجهزة استخبارات دولية قد وظفته لمصالحها وسقط في فخها بسذاجة مفرطة …

وكذلك الدخول معه في حوار فقهي ديني ليفهم أن الشعب التونسي قام بجهاده ضد الاستعمار وأن محمد الدغباجي وبشير بن سديرة ومصباح الجربوع وخليفة بن عسكر وغيرهم من المجاهدين قد أدوا واجبهم… عليه أن يفهم أن من موله من حكام السعودية وقطر ليقوم بحربه في سوريا هي دول فيها قواعد عسكرية أجنبية ولم تجاهد كأجداده في حرب تحرير وطني… وهنا على الشخصيات العامة التونسية التي شجعت إرسال شبابنا إلى سوريا بدعوى الجهاد وخاصة القيادي في حركة «النهضة» الحبيب اللوز أو الفيلسوف التونسي أبو يعرب المرزوقي أن تعتذر عما فعلته وتعلن عن فظاعة ما ارتكبته رمزيا بتشجيعها للقتل والتقتيل في سوريا… إن اعتذارها سيكون رسالة جيدة لشبابنا العائد من الجحيم السوري…

وكذلك الدخول في حوار اجتماعي اقتصادي مع هذا الشباب لفهم حاجياته الملحة وحتى لا يرتمي مرة أخرى في أحضان اليأس…

أما الدولة التونسية فستحتاج يقينا إلى مساعدة الجيشين المصري والجزائري لأن الجميع سيخوض نفس المعركة ضد الإرهاب… على الرئيس المنصف المرزوقي أن يكف عن تصريحاته المنتقدة لهذين الجيشين بدعوى الحرية والديموقراطية… فتحرير شاعر الثورة التونسية محمد بن الذيب العجمي من زنازين قطر أولى له إن أراد أعطاء دروس على النمط الأمريكي في الديموقراطية أي سياسة الكيل بمكيالين…

لقد نشرت صحيفة «لوموند» الفرنسية أن أجهزة المخابرات الفرنسية قد طلبت التعاون أكثر من مرة مع أجهزة الاستخبارات السورية لمساعدتها أمنيا في ملفات الشباب الفرنسي الذي ذهب يجاهد في سوريا… اللعبة الدولية بدأت تنتهي في دمشق اليوم… وعلى تونس أن تعيد علاقاتها رسميا مع الدولة السورية لأنها ستحتاجها كثيرا وأقول كثيرا في مواجهة الإرهاب…
مهما حدث في ليبيا فإن المشهد التونسي لن يكون سوداويا مثلما تكهنت تحليلات صحيفة «الخبر»… لكن في المقابل اتخاذ إجراءات فورية وناجعة لمواجهة أسوإ السيناريوهات مسألة ملحة جدا لمواجهة كل المخاطر.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*