ما هي أسباب الإرهاب في تونس؟ من يغذيها؟ وكيف يمكن مكافحتها؟
بقلم رياض الصيداوي
الحديث عن العمليات الإرهابية أصبح خبرا متكررا في تونس. لكن لا يجب أن يصبح خبرا روتينيا يتم التعايش معه. التعبئة الشاملة في حرب المجتمع التونسي على الإرهاب ضرورة يومية. فلا مجال لانتصار الإرهاب كما لا مجال لهزيمة المجتمع والدولة أمامه. ما هي العوامل الجديدة التي طرأت بعد 14 جانفي2011 في تونس لتغذي الإرهاب؟ وكيف يمكن مقاومته؟
منذ الأشهر الأولى من نجاح «الثورة» كنت أنبه دائما إلى بروز مؤشرات تدعم ازدهار الإرهاب في تونس. فالإرهاب يبدأ فكرا ثم يصبح عملا. إن أبرز العوامل التي غذت الإرهاب في تونس يمكن حصرها أولا: في تفكيك جهاز أمن الدولة، ثانيا: في فوضى السلاح المنتشر في ليبيا وتسربه إلى تونس، ثالثا: في تعبئة الشباب التونسي ثم تجنيده للقتال في سوريا / وهذا من أخطر العوامل/، رابعا: في انتشار ثقافة القتل بتبرير ديني على منابر وسائل الاتصال الاجتماعي وبعض منابر المساجد، خامسا: في استمرار الأزمة الاقتصادية الاجتماعية في تونس.
تفكيك جهاز أمن الدولة
ينتعش الإرهاب دائما في الدول التي تضعف فيها السلطة بسبب ثورات أو مراحل انتقالية تعيشها. ويزدهر أكثر في حالة سقوط الدولة وتفككها لأنه دائما يبحث عن الفراغ في الجانب الأمني للدول. لذلك انتشر الإرهاب في أفغانستان وفي الصومال وفي مالي وفي سوريا وفي ليبيا اليوم. فالعدو الأول للتنظيمات الإرهابية هو أجهزة المخابرات القوية التي ترصد حركاته وسكناته وتتدخل لإجهاض عملياته قبل أن تنفذ. ويجب الإقرار أن جهاز أمن الدولة التونسي كان فعالا ضد الإرهاب. مشكلته كانت في أن الدكتاتور زين العابدين بن علي يوجه عناصره أيضا نحو المناضلين السياسيين والحقوقيين. وهو الجانب المرفوض قانونا ودستورا وأخلاقا. وكانت عناصره تطبق الأوامر. إن تفكيكه وإبعاد ضباطه عن العمل أدى لثغرة كبيرة في أجهزة الأمن التونسية. فمحاربة الإرهاب تعتمد على المعلومات أكثر من العضلات. كان من المفروض محاسبة من تورط في تجاوزات قضائيا وترك البقية تعمل في إطار جديد يحدده السياسي وهو تغيير اهتماماته ومواضيع نشاطه وتركيز أنشطته على مكافحة الإرهاب والتجسس.
لا توجد دولة في العالم بدون أجهزة مخابرات داخلية وخارجية. الإرهاب في تونس ازدهر لأنه وجد فراغا استخباراتيا أمنيا بعد استبعاد الكفاءات الأمنية القادرة على مكافحته. ووجدت الحركات الراديكالية فرصة ذهبية لها لتنشط وتجند وتنشر فكرها.
المطلوب مصالحة بين المواطن وجهاز الأمن
المطلوب اليوم هو الاستعانة بكافة الخبرات الأمنية التونسية في جهاز يعتمد على سرعة الوصول إلى المعلومة وعلى التعامل معها بدقة. والمطلوب أيضا مصالحة بين المواطن وجهاز الأمن. فالعلاقة المبنية على الرعب والخوف والريبة المتبادلة التي غرستها دكتاتورية بن علي ورعتها في المجتمع يجب أن تنتهي نحو علاقة جديدة هي الاحترام المتبادل والتعاون اليومي. فالأمني الأول في المجتمعات الديموقراطية هو المواطن. هو من يحمي بلاده من أية حركة مشبوهة. وهذا هو الفرق الجوهري بين منظومة الأمن في الدكتاتوريات ومنظومة الأمن في الديموقراطيات.
فوضى ليبيا وتسرب السلاح
تسرب السلاح الليبي إلى تونس هو المهدد الأول للأمن. فالإرهاب كما يحتاج إلى بشر للتنفيذ فهو يحتاج قبل ذلك إلى أسلحة وقنابل ومتفجرات. وليس سرا أن السلاح الذي تستخدمه المجموعات الإرهابية في تونس هو السلاح الليبي. «فالكلاشينكوف» و»الأر بي جي» أسلحة روسية الصنع دخلت إلى تونس عبر الحدود الجنوبية مع ليبيا. وفي هذا البلد الشقيق تم تدمير الحكومة والنظام والدولة معا على عكس تونس أو مصر مثلا حيث حافظت الدولة على أجهزتها سليمة من جيش وأمن أما الحالة الليبية فهي حالة خاصة جدا.
حدث تدخل عسكري خارجي أسقط الدولة وفكك الجيش وأجهزة الأمن ووجدت ليبيا نفسها تعيش في فوضى عارمة تتميز بانتشار غير عادي للسلاح في كل مكان لدى القبائل ولدى الأحزاب ولدى الجماعات الإرهابية ولدى تجار السلاح. وفي الآن نفسه تفكك الجيش الليبي وأجهزة مخابرات الراحل معمر القذافي القوية ليملأ الفراغ الجديد ميليشيات «الثوار» غير المدربة وغير المنضبطة والمتقاتلة فيما بينها. وبدأ السلاح يدخل إلى تونس منذ الأيام الأولى لسقوط دولة معمر القذافي.
وحقيقة يجب الاعتراف بها وهي أنه لا توجد دولة في العالم تستطيع حماية عمليات التهريب إلى أراضيها بنسبة مائة بالمائة. فالولايات المتحدة الأمريكية وهي الدولة العظمى لم تستطع إلى حد اليوم تأمين كل حدودها مع المكسيك. فرغم الجدار الإلكتروني الأرضي وأقمارها الصناعية وحرس حدودها إلا أن تهريب البشر أو المخدرات مازال نشيطا بين البلدين. فهذا العامل موضوعي تعاني منه كل دول العالم أي عدم القدرة على مراقبة وحماية كلية لحدود الدولة من التهريب. وخاصة أن العبء ثقيل جدا على تونس لأنها لا تستطيع أن تعتمد على تنسيق مع الحكومة الليبية أو تعاون أو مساعدة منها على حدودها. فالسلطة الليبية كثيرا ما فقدت السيطرة على حدودها التي كثيرا ما تستولي عليها ميليشيات مسلحة تفرض قانونها الخاص لبعض الوقت.
حرب الجيش الليبي على الإرهاب
الحرب التي يشنها الجيش الليبي اليوم على معاقل الإرهاب في الشرق هي حرب على الإرهاب في تونس أيضا. فالمعركة واحدة. إن تأمين ليبيا ونزع سلاح ميليشياتها وتفكيك معسكرات الإرهابيين هو انتصار لتونس في حربها ضد الإرهاب.
تحاول الدعاية القطرية والإخوانية تشويه عمل الجيش الليبي بنعته «بقوات حفتر»، على وزن «كتائب القذافي» أو «كتائب الأسد». هي تحاول اختزاله في رجل واحد وهو خليفة حفتر، بينما الحقيقة مختلفة. فبقايا الجيش الليبي الذي تم قصفه وقصف معسكراته بكثافة من قبل طائرات الحلف الأطلسي أعربت عن استعدادها لمعركة «تطهير» ليبيا من الإرهاب. وكذلك فرقة «الصاعقة» التي كان يقودها الراحل عبد الفتاح يونس، والذي تم قتله في ظروف غامضة جدا، تشارك بكثافة في الحرب على معاقل الإرهاب. فقد تعرض ضباط وجنود هذه الفرقة لحملة اغتيالات ممنهجة في بنغازي من قبل الجماعات الإرهابية. لأنها كانت تدافع عن خط وطني وترفض أن تتحول ليبيا إلى أفغانستان جديدة وأن تتحول «درنة» إلى «طورا بورا» جديدة في المنطقة. وهي العمود الفقري للقوات المسلحة الليبية اليوم. حدث تحالف موضوعي بين قوات الجيش وأغلبية الشعب والقبائل والأحزاب على ضرورة إنقاذ ليبيا من الفوضى العارمة التي توجد فيها. ولن يتم ذلك إلا عبر نزع كافة المظاهر المسلحة الخارجة عن أطر الدولة أي الجيش والأجهزة الأمنية.
إن انتصار الجيش الليبي في حربه على الإرهاب وعلى الفوضى المدمرة سيكون بدون شك انتصارا لتونس وسيخفف عبئا كبيرا علينا بتأمين حدودنا الجنوبية أولا من تهريب السلاح وغلق معسكرات تدريب الإرهابيين التي يوجد فيها تونسيون كثيرون سواء «للتصدير نحو سوريا» أو «لإعادة التصدير إلى تونس».
الجهاد نحو سوريا
العامل الثالث في تغذية الإرهاب في تونس يتمثل في تجنيد الشباب التونسي وإرساله إلى الشام لمقاتلة الجيش العربي السوري وذلك «جهادا في سبيل إسرائيل وأمريكا وآل سعود وآل ثاني…». يجب أن نعترف جميعا أنه حدث اختراق خطير جدا للوعي السياسي التونسي المتقدم. كيف يمكن لشيوخ يعملون لصالح إقطاعيات ملكية شديدة التخلف وخاضعة إلى احتلال القواعد العسكرية الأجنبية أن يقنعوا بعض الشباب التونسي أن الجهاد يكون في سوريا وليس في فلسطين أو في قطر أو في السعودية حيث تحتل قوات أجنبية أراضي عربية. كيف يمكن لشيوخ موظفين لدى أجهزة «البروباغندا» السعودية والقطرية كالقرضاوي أو العريفي أو العرعور أن يتلاعبوا بعقول شباب تونسي ويرسلونه إلى الجحيم في حرب قوى دولية لا ناقة له فيها ولا جمل؟…
الحقيقة المرة
الحقيقة المرة أن تواطؤًا رسميا وغير رسمي قد حدث في تونس مع هذه القوى وإن بدأ يخفت اليوم فإنه كان قويا جدا في السنوات القليلة الماضية. فحكومة «الترويكا» استقبلت مؤتمر «أصدقاء سوريا» ودعت إليه آل سعود وآل ثاني والفرنسيس والأنجليز والأمريكان لنشر الحرية والديموقراطية في سوريا!!!.
والرئيس المنصف المرزوقي، بسبب شدة انبهاره وتأثره «بالنموذج الديموقراطي القطري»، أطرد السفير السوري وقطع علاقاتنا مع دولة لم نر منها إلا الخير ولم تفرض علينا تأشيرة دخول، مثلما تفعل إمارة قطر، واستقبلت طلبتنا منذ عقود من الزمن.
وجاء القيادي النهضاوي الحبيب اللوز ليصرح في حواره الشهير أنه لو كان شابا لذهب للجهاد في سوريا، رغم أن عمر المختار حينما جاهد ضد الطليان في ليبيا كان شيخا متقدما في السن…
وانتقد الفيلسوف التونسي القطري الهوى أبو يعرب المرزوقي من يمنع الشباب التونسي من الجهاد في سوريا ويحرمه من هذا الشرف…
والحقيقة المرة أيضا أن شبكات مخابرات عربية نفطية وغازية تنشط مختفية وراء ستار جمعيات خيرية هي من تنفق أموالا طائلة لتجنيد شبابنا نحو سوريا… لا يجب أن ننسى أبدا أن الإرهاب هو أيضا «بزنس» وأموالا يجمعها الشيوخ ومن يستقطب لإرسال الشباب المتلاعب به إلى جحيم الحرب…
لقد خفتت الأصوات المشجعة لإرسال شبابنا إلى سوريا مؤخرا، تقريبا منذ الأشهر التي أصبح فيها واضحا أن الجيش العربي السوري قد انتصر، ولكن بعد ماذا؟ بعد خراب مالطا؟ هذا الشباب سيعود لتونس أو هو بدأ يعود.. فماذا أعددنا له؟ نفسيا وفقهيا وماليا وسياسيا وأمنيا… هم ضحايا تحولوا لجلادين قساة القلوب، إلى إرهابيين دمويين بفضل فتاوي شيوخ الغاز والبترول والقواعد العسكرية الأجنبية…
انتشار خطاب التحريض والقتل
العامل الرابع في انتشار «ثقافة الإرهاب» في تونس هو انتشار خطاب التحريض والقتل في وسائل الاتصال الاجتماعي وفي بعض منابر المساجد… فالشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي تم قتلهما مرات كثيرة قبل أن تصلهما رصاصات الغدر وذلك على صفحات الفايسبوك وحتى في بعض منابر المساجد. أصبحت الدعوة إلى القتل بدعوى التكفير مسألة عادية ويومية في تونس… رغم أن القوانين تعاقب كل من يدعو للقتل أو يحرض على العنف والكراهية… لكن حكومة «الترويكا» كانت متساهلة مع مثل هذه الخطابات ومتسامحة معها رغم أن التحريض على القتل لا علاقة له بحرية التعبير لا من بعيد ولا من قريب بل هو جرم في كل دول العالم يعاقب عليه القانون…
المطلوب اليوم اعتبار أن الإرهاب ليس قنابل ورصاص فقط يضرب جنودنا وأمنيينا وسياسيينا وإنما هو قبل كل شيء خطاب وكلمات يجب أن تحارب بنفس درجة الحماس التي تحارب بها الخلايا الإرهابية…
استمرار الأزمة الاقتصادية والاجتماعية
العامل الخامس في دعم الإرهاب وتغذيته في تونس مهم أيضا. وهو استمرار الأزمة الاقتصادية والاجتماعية بل واستفحالها. الجوع أبو الكفار. وهو منفذ قوي للإرهاب لاستقطاب شباب عاطل عن العمل، شديد الفقر ويائس من الحياة. ثمة علاقة طردية بين ارتفاع درجة اليأس لدى الشباب وارتفاع الانحراف عندهم. اليأس يساوي انحراف وإجرام يومي أو «حرقان» إلى إيطاليا أو انتحار على طريقة محمد البوعزيزي أو السقوط في شباك الإرهاب… كل عاطل عن العمل ويائس من حياة اجتماعية اقتصادية كريمة هو فريسة سهلة لشبكات تجنيد الإرهاب.
على النخب السياسية التونسية وقادة الأحزاب أن يفكروا جديا في بناء دولة «الرعاية الاجتماعية» لامتصاص حدة التوتر الاجتماعي… فالوفاق الوطني السياسي الذي حدث بين الفرقاء كان إيجابيا جدا في نزع فتيل أزمة سياسية عاصفة يستفيد منها الإرهاب.
الإرهاب ينتعش في الأزمات السياسية هذا صحيح. ولكن لا يجب علينا أن ننسى أيضا أن الحاضنة الأولى للإرهاب هي الحاضنة الاجتماعية الاقتصادية. تحديدا اليأس. كلما وفرنا حياة كريمة لشبابنا كلما أبعدنا عنه شبح اليأس وبالتالي ابتعد عن الإرهاب.. والعكس، للأسف، صحيح أيضا.
Be the first to comment