الهجوم الإرهابي الاستعراضي على منزل «لطفي بن جدو» في القصرين: الرسالة وصلت لكن الإرهاب لن ينجح في تونس

الهجوم الإرهابي الاستعراضي على منزل «لطفي بن جدو» في القصرين: الرسالة وصلت لكن الإرهاب لن ينجح في تونس. بقلم رياض الصيداوي

الإرهاب قال كلمته هذه المرة وبشكل استعراضي ورمزي أيضا في القصرين متحديا كل الإجراءات الأمنية بهجومه على منزل وزير الداخلية شخصيا لطفي بن جدو. رسالته: تحاربوننا في جبل «الشعانبي» قصفا وحصارا، نحن ننزل إلى عقر داركم ونضرب رمزكم الأول أي وزارة الداخلية. أجهزة الأمن التونسية التي توصلت إلى تفكيك شبكة إرهابية كبيرة في مدنين ومصادرة أسلحة كثيرة ومتنوعة تجد نفسها اليوم تتعرض لضربة انتقامية منتظرة.
الحرب على الإرهاب مثل أي حرب تطول في الزمن : يوما علينا ويوما عليكم إلى أن يحدث النصر النهائي.
والإرهاب أراد أن يقول كلمته في تونس أيضا: القدرة على الضرب من جديد رقم تلقي ضربات موجعة مؤخرا.

العملية استعراضية هدفها إعلامي

من الناحية التقنية الصّرفة تعتبر العملية استعراضية هدفها إعلامي بدرجة أولى، لذلك استهدفت منزل وزير الداخلية وهو الرمز الأول لمحاربة الإرهاب في تونس. وكذلك حي الزهور في القصرين أحد أهم معاقل «النواة الصلبة» للثورة التونسية. والهدف الاستراتيجي هو إرباك أجهزة الأمن التونسية ومحاولة «زعزعة الثقة» في نفسها التي اكتسبتها مؤخرا بفضل نجاحاتها المتعددة في القضاء على خلايا إرهابية وتفكيك أخرى.

القصة الخبرية بحد ذاتها فيها جانب كبير من «الجرأة السينمائية» تفاصيلها كالتالي:
موقع «الشروق أونلاين» أعطى تفاصيلا أخرى للحادثة وأهمها «أن العملية الارهابية التي استهدفت منزل وزير الداخلية لطفي بن جدو تمثلت في هجوم سيارة من نوع «ديماكس» رباعية الدفع يقودها سائق يلتحف رداءً أحمر على منزل عائلة وزير الداخلية لطفي بن جدو بمنطقة عين القياد من معتمدية الزهور. السيارة كانت تسير بشبابيك مفتوحة تطل منها فوهات أسلحة رشاشة أتوماتيكية بادر المهاجمون باستهداف أعوان الحراسة اذ اقتحموا عليهم مستودعا قرب المنزل مما أودى في حصيلة أولية إلى مقتل 4 وجرح الخامس وقد حاول بعض الأجوار صدهم بالحجارة والصراخ لكنهم تمكنوا من الانسحاب والفرار مع الإشارة إلى أن منزل لطفي بن جدو لا يبتعد عن منطقة الحرس الوطني بالزهور إلا بعض الأمتار ولم تسجل إصابات في صفوف أفراد عائلته مصادر على عين المكان أكدت للشروق أونلاين أن المهاجمين على شاحنة الديماكس رباعية الدفع اتجهوا شرقا في الطريق الرابطة بين حي الزهور وجبل السلوم ويجري الآن تطويق المكان إذ تدخلت قوات أمنية في محاولة لتعقب المهاجمين.

كما أكد مصدر أمني للشروق اون لاين ان «إن الإرهابيين الذين نفذوا الهجوم على منزل وزير الداخلية لطفي بن جدو كان يرتدون بدلات عسكرية وأمنية رسمية وحسب المعطيات الأولية فإن عددهم حوالي 15 إرهابيا انقسموا إلى مجموعتين تكفلت المجموعة الأولى بالهجوم على المركز الأمني القريب من مقر سكنى الوزير بن جدو والمجموعة الثانية وهي الأكثر عددا هاجمت المنزل مستعملة سيارات رباعية الدفع من نوع ديماكس». كما ذكر محمد علي العروي الناطق باسم وزارة الداخلية أن مواطنين تصدوا للإرهابيين بالحجارة تعبيرا عن غضبهم ورفضهم لجرائمهم.

القراءة الأولى من سير الأحداث

القراءة الأولى من سير الأحداث تؤكد على مجموعة عناصر / مؤشرات جديدة في المشهد الإرهابي في تونس:
أول هذه العناصر هو أننا الآن أصبحنا نواجه مجموعات مدربة جيدا على حرب العصابات تنفذ أعمالها بدم بارد وبعد رصد وجمع للمعلومات. وهذا يعني أن هذه الجماعات أو أغلبها على الأقل تلقت تدريبا محكما وخاضت تجارب قتال حقيقية. أي أنها قد تكون قد تدربت في ليبيا وقاتلت هناك أو في سوريا أو في الجزائر… وهذا يعني أيضا أن الحرب على الإرهاب ليست تونسية فقط وإنما هي حرب عربية تخاض في أكثر من بلد عربي… والغريب في الأمر أن المجموعة الإرهابية كانت لها قوة نيران أقوى بكثير من قوة الأعوان الذين يحرسون منزل وزير الداخلية… بفضل السلاح الليبي الذي تسرب إلى تونس منذ انهيار دولة الراحل معمر القذافي.

ثاني هذه العناصر أن المجموعات الإرهابية استخدمت أزياء عسكرية أمنية / محمد علي العروي قال شبه عسكرية / وهو ما يشكل خطورة على وعي الناس حيث سيصبح المواطن مرتبكا في المستقبل تجاه قوات الأمن والجيش. لأنه لم يعد متيقنا من هو الإرهابي ومن هو الأمني.. وهو تكتيك اتبعه الإرهاب في الجزائر عبر ما اشتهر بالحواجز الأمنية المزيفة. ولئن كانت الأجهزة الأمنية والعسكرية لا تقع في هذا الفخ كثيرا لأن لها شيفرتها وأساليبها الاستخباراتية الخاصة بها لكشف الحقيقي من المزيف.. فإن المواطن العادي قد يدخله الشك والريبة…

ثالث هذه العناصر أن الإرهاب كتلة واحدة وموحدة في أهدافه وفي أساليبه متضامن في ما بين خلاياه. فالأمن يضرب في مدنين والانتقام يكون في القصرين. فهو أن استخدم أسلوب الخلايا العنقودية، أي أن كل خلية مستقلة بقدر ما عن الخلية الأخرى، إلا أنه يعمل جيشًا واحدًا له استراتيجية واحدة وهي زعزعة الأمن وبث الارتباك في أجهزة الدولة وفي المجتمع.

الإرهاب سيهزم في تونس إن آجلا أو عاجلا

رابع هذه العناصر، وهو المؤشر المطمئن كثيرا في كل العملية هو أن الإرهاب سيهزم في تونس إن آجلا أو عاجلا: موقف المواطنين الذين تصدوا للإرهابيين بالحجارة. وهم يبدون في ذلك شجاعة وجرأة رائدتين من جهة ووعيا عميقا أن الإرهاب لا يستهدف رجال الأمن وعائلة وزير الداخلية فحسب وإنما يستهدف كل الشعب التونسي دون استثناء. إن القصرين التي كانت «النواة الصلبة» للثورة ضد الدكتاتور بن علي لا يمكنها أبدا أن تصبح بؤرة للإرهاب. لنذكر أن الثورة هي عمل الأغلبية ضد الأقلية وأن الإرهاب على العكس هو عمل الأقلية ضد الأغلبية. والرسالة أن «الفراشيش» الذين ثاروا على ظلم الباي مع علي بن غذاهم وقاوموا الاستعمار الفرنسي وثاروا ضد بن علي لن يسمحوا للإرهاب أن يستوطن في أرضهم حتى وإن كانوا يعيشون في ظروف اقتصادية واجتماعية قاسية…

لماذا هذه العملية الإرهابية الآن؟

يفسر توقيت العملية بظروف داخلية وخارجية كثيرة.
بالنسبة إلى الظرف التونسي هي عملية انتقام لإرباك وزارة الداخلية التي حققت نجاحات أمنية كثيرة في المدة الأخيرة بدءا من القضاء على المجموعات الإرهابية في «الوردية» إلى قتل كمال القضقاضي ومجموعته إلى تفكيك خلية إرهابية كبيرة في مدنين ومصادرة أسلحتها. من الواضح أن الأجهزة الأمنية المكلفة بمكافحة الإرهاب قد استعادت أنفاسها وأعادت تشكيل نفسها لتبادر إلى حرب استعلاماتية استباقية تضرب فيها الإرهاب في المهد قبل أن يمر إلى التخطيط والتنفيذ. فاستعادت بذلك ثقتها في نفسها أولا وثقة المواطن فيها ثانيا.

كذلك بالنسبة إلى الظرف التونسي هي عملية لإرباك الوعي السياسي الجديد بأن مسميات «الجهاد» في سوريا ليست إلا تلاعبا دوليا مخابراتيا وماليا وفقهيا بشبابنا. بدأ بعض الإعلاميين الحديث عمّا يحدث في سوريا من تلاعب خارجي في هذا البلد وكشف الرهانات الحقيقية من الحرب الفقهية المشيخية لشيوخ آل سعود وآل ثاني إلى الدعم المالي وإلى التدخل الاستخباراتي المكثف من قوى رجعية عربية واستعمارية دولية في هذا البلد الشقيق. كادت سوريا أن تصبح العدو بفضل «بروباغندا» حكومة الترويكا ورئاسة الجمهورية وليس الإرهاب. وسبق أن وصل الوضع في تونس إلى نقطة أصبحت فيها شخصيات تونسية عامة تدعو إلى «الجهاد» في سوريا وتمجده، من القيادي في حركة النهضة الحبيب اللوز إلى الفيلسوف أبو يعرب المرزوقي. لم يعد الجهاد في فلسطين وضد الاستعمار وإنما أصبح ضد الجيش العربي السوري والمقاومة اللبنانية.

استفاقة كبيرة

حدثت استفاقة كبيرة لدى الإعلاميين والمثقفين التونسيين خاصة والشعب التونسي عامة لحقيقة ما يجري في سوريا. لقد بثت التلفزة الوطنية / القناة الأولى حلقة من برنامج «نبض الشارع» حول تجنيد الشباب التونسي لإرساله إلى الجهاد في سوريا في نفس ليلة الهجوم على منزل لطفي بن جدو. أي ليلة الثلاثاء 27 ماي 2014. وتناول هذا البرنامج بكل صدق وواقعية كيف يتم التلاعب بالشباب التونسي ماليا ونفسيا وفقهيا لإرساله إلى سوريا في معركة جهاد «في سبيل إسرائيل وأمريكا وتركيا وآل سعود وآل ثاني…». وأبدع الشيخ المحدث فريد الباجي في تبيين مدى «لا جهادية الجهاديين» من الناحية الفقهية وكيف تدخل أموال «وهابية» طائلة إلى تونس لضرب الإسلام المالكي الزيتوني المعتدل وتعويضه بثقافة «التكفير والقتل». كما حلل الخبير النفسي كيف يتم التلاعب السيكولوجي بشباب مراهق يعيش أزمات نفسية لتجنيده. وعلى المستوى العائلي تحدث أولياء الأمور عن كيف «تم خداع أبنائهم» لإرسالهم إلى الجحيم في سوريا… وجدت نفسي أشاهد واستمع لنفس الأفكار تقريبا التي نبهت إليها منذ الأيام الأولى لبروز موضة إرسال الشباب التونسي إلى سوريا بدعوى الجهاد.

كذلك بالنسبة إلى الظرف التونسي، جاءت العملية لتربك الاقتصاد التونسي وبخاصة المشهد السياحي الذي بدأ ينتعش وينبئ بموسم مزدهر هذه السنة. فكان لا بد من عملية بهذا النوع وبهذا الحجم ليقول الإرهاب للعالم أن تونس بلد ليس بآمن، وأن عاش أشهرا في هدوء وأمن، فإن ذلك لن يستمر طويلا، وبالتالي لا تستثمروا في تونس ولا تأتوا إلى تونس…

أما على المستوى الإقليمي فإن العملية جاءت أيضا تضامنا «لجبهة الإرهابيين» ضد جبهة ما يسمونه «بالطاغوت». فالجيش الليبي تحرك وبدأ يضرب معاقل الإرهاب في الشرق وخاصة في بنغازي ودرنة… وهو عازم كما يبدو على إنقاذ ليبيا من الفوضى السائدة والغياب شبه الكلي لأجهزة الدولة فيها وانتشار السلاح في كل مكان حتى وصل إلى تونس وإلى مصر وإلى الجزائر وحتى إلى سوريا. كان لا بد من تحرك في ليبيا لإراحة الليبيين أولا من الإرهاب وإراحة جيرانهم ثانيا وهذا ما حدث… فتضامن إرهابيو تونس مع إرهابيي الشرق الليبي… ويبدو أنه في المعسكرين توجد جنسيات مختلفة.
الحرب على الإرهاب ليست معركة واحدة وإنما هي معارك كثيرة مرة وقاسية… لم ينجح الإرهاب في أي مكان في العالم فكيف سينجح في تونس؟. هو حرب الأقلية ضد الأغلبية مثلما الثورة هي معركة الأغلبية ضد الأقلية
http://www.riadh-sidaoui.net/

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.


*